icon

المعلومات الواردة هنا هي مستوحاة من الدكتور نفسه و من كلامهِ و هي بتصرف.

البدايات:

أيام الطفولة

-السابع و العشرين من كانون الأول، صرخة طفل أستنشق أول نفس له في هذه الحياة الدنيا أعلنت مولد المفكر الإسلامي العظيم مصطفى محمود.

شبين الكوم، المنوفية كانت المكان الذي ولد و نشأ فيه، نشأ فيه طفلاً حالماً غير باقي الأطفال بعمره، لم يعجبه التسكع و لا اللعب مع باقي الأطفال حوله و لكن أعجبه التفكر من صغره و السهو في أصغر الأ‎شياء.

ولد مصطفى في عائلة من المستوى المتوسط الدخل و كان أبوه موظفاً حكومياً و كان يروي أن خلال طفولتهِ كاملة لم يلحظ أو شَهِدَ والداهُ يتخاصمان و ما إلى ذلك و أن لذلك كان تأثير إيجابياً كبيراً عليه.

عاش مصطفى محمود في ميت الكرماء بجوار مسجد "المحطة" الشهير الذي يعد أحد مزارات الصوفية الشهيرة في مصر؛ مما ترك أثره الواضح على أفكاره وتوجهاته.

يروي مصطفى عن طفولته قائلاً:

"كنت و أنا صغير لما أقعد في حوش الدار و الدنيا تمطر كنت أشوف الماء في البركة و كنت أساوي قوارب ورقية صغيرة و أخليها تعوم و أتخيلها و كأنها قوارب جاية من الهند و محملة بقا أشي عطور و أشي بهارات و الروائح الذكية بتفوح منها. أيوا كده"

روى مصطفى أيضاً عن طفولته أنه كان يمرض كثيراً مما أبعده و أبعد باقي الأطفال عنه بسبب كونه مريض و مُلقى الفراش معظم الوقت، ولعلها كانت وقتها الحكمة الإلهية و العناية تكونه تكويناً خاصاً و تدفعه بإتجاه العزلة، التفرد بنفسه كما سنرى أن الشيء نفسه يحصل له في شبابه و في النهاية كل هذه الأمور لعبت دوراً رئسياً في تكوين المصطفى المحمود الذي نعرفه اليوم كما يقول هو.

"نشأتُ في بيئة هادئة و أمنة، ما كنشي في عندنا رعب و لا تهديد ولا قهر أو أي حاجة من الكلام ده و أنا أستمتعت بالجو ده"

كان مصطفى محبوب جداً عند أبيه منذ صغره و كان له تأثير كبير عليه كما سنرى لاحقاً كيف أن الدكتور أسمى مسجده بإسم مسجد محمود تكريماً لذكرى أبيه الذي كان عطوفاً كريماً عليه في صغره موجهاَ إياه نحو درب العلم و القرأة منذ صغره و يذكر مصطفى فيما يذكر عن أبيه قائلاً: "لما كنت أخد درجات جيدة كان أبوي الله يرحمه يفرح أوي و أذكر مرة لما أخدت الأولى على صفي أبوي أخد الشهادة بتاعتي و راح يدور بين أصدقائه و يقولهم "بصوا كده ده أبني مصطفى أخد الأولى على صفه" الله يرحمه...

صورة للدكتور وهو في عمر صغير
مصطفى محمود في صغره

أيام الدراسة:

- ‎أمضى مصطفى محمود زمناً أكثر من اللازم لأي طفل عادي في المدرسة، ولكن ليس أكثر من اللازم له، يروي و يقول أنه فشل ٣ سنين في المدرسة الأبتدا‎ئية (ليس لكونه تلميذ سيئ و لكن الأستا‎ذ الخاص فيه و كعادة المدارس العربية، أغلبها، فيها ضرب و عَصى مما أثار خوفه و نفَّرَهُ من المدرسة) بسبب الضغط الذي لم يكون متعود عليه في منزله، و يروي قصة أُخرى قائلاً بالتفصيل:

-كنا نقعد عند الكتاب و نسمع القرآن يتلى كده علينا و تسمع كده بيقول: "وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ"[١] تحس أنة الأية بتخاطبك و تحس بموسيقا قرآنية، ما بقولش موسيقا، لأ زي الموسيقى كده، ليها وقع أوي و بعدين تقوم تلاقي العصاية نازلة كده هو على دماغك أو على أيدك قاطعة سلسلة الأفكار كلها و دى مش جو دراسة و لا علم، فكنت أنا أخد الغدا بتاعي و روح أقعد على شط المي كده طول النهار و بعدين أروح أخد نفسي و رايح البيت، و كل نهار زي كده... و لما يسألوني في البيت: "أخدت كم يا مصطفى اليوم؟" أأقلهم صفر زي العادة و كانوا يضحكوا و يقولوا أنه أنا صغير و عادي يعني بقا. أستمريت على الحال ده ثلاث سنين، ‎أستغرقني الأمر ثلاث سنين في محاولة للتأقلم مع جو الرعب و العنف المدرسي بعدين بقا قدرت إني ‎أتعود و بدأت أرو‎ح المدرسة و ذاكر ، وكده...
و مكنش أحد يعنفني أو من الكلام ده السنين الثلاث دول، أهلي كلهم تركوني على راحتي، بدون ملامة أو أي كلام.

نقطة التحول:

-أختار مصطفى محمود الطب كمهنة له و في السنة الثالثة له في الجامعة أستاء حاله جداً و دخل المشفى نتيجة أصابته بمرض صدري ناتج عن أستنشاق المواد الكيماوية المستخدمة في التشريح، و يروي هذه القصة قائلاً: "كُنت أدخل المشرحة أول واحد و أخرج أخر واحد، و أقف أمام الإنسان و فتحه دماغه نصفين و أقسم كل نصف إلى نصفين و أنا بدور على الإنسان بحد ذاته و أقول لنفسي: هو ده الإنسان؟ هو ده الضمير و العواطف و المشاعر و الأحاسيس و الذاكرة و كل حاجة، الجثة الهامدة دي؟ لا مش ممكن و أقعد كده أدور بس مافيش فايدة لأني اللي كنت أدور عليه مكنش ظاهر للعيان.
و هكذا بدأ حبي للتشريح، وكنا عندنا في الجامعة زمان كل واحد ليه عدته الخاصة و أدوات التشريح الخاصة فيه بقا أنا دفعت المبلغ الرمزي اللي بيسموا البدل اللي أنت تدفعوا بداية السنة و تأخذوا بأخر السنة لما تسلم المعمل و العدة، بقا أنا دفعت المبلغ و أخدت العدة البيت في أوضتي ليل نهار قاعد أحلل و أشرّح ولما أجي أنام أحط ‎طشت الفورمالين[٢] تحت سريري و اروح نايم و أنا بشم في الريحة دي و هي كانت عدة شهور و ر‎حت متلقح في سرير المشفى لسنين.

دخل مصطفى محمود المشفى لمدة ثلاث سنين إثر مرضه و يروي قائلاً: "دخلت المشفى و أنا طالب طب سنة ثالثة و كنت شوف زملائي سبقوني و تخرجوا و أنا في مكاني على سريري و الأمر ده بصراحة زعجني أوي و زعلني و ما كنت حتى قادر أترك غرفتي كل ما أجي أٔطلع يمنعوني و يقولوا لي: "لا، لازم أنت تبقى في الفراش" طيب و كده أنا أعمل إيه قاعد في غرفة مقفول عليهَ طول الوقت... قلت ماليش غير القراءة و كده بدأ الكاتب اللي بتعرفوا أنتوا اليوم"

"و كده بدأت أقرأ، قريت الأدب الروسي- الأدب الروسي قبل الثورة، الأدب الفرنسي و الألماني، قرأت كل ما أستطعت أن أضع يدي عليه و كده بدأت ‎أرى الأمور بشكل مختلف و أتسأل أكثر و أكثر عن الله سبحانه و تعالى، عن الكون عننا نحن، نحن ليه هنا و إيه بعد الموت و الكلام ده، أنا بتلك اللحظات ترك المُسَّلَماَت كلها و رفضت كل حاجة و لكن لم ألحد و لم أنكر وجود الإله أبدا .
(-تَدخُل بِتَصرُف: على عكس ما يظن البعض، الدكتور مصطفى محمود لم ينكر وجود الإله و لكن شكه كان شك باحث عن أجوبة و ليس شك عبثي).
و بقيت على الحال كده السنين دي و بعد خروجي من المشفى و الحمدلله بعد حوالي ٢٦ عملية ترميم في جسدي بقيت أحسن و قدرت أعيش حياة طبيعية زي كده بعديها بس... لما خرجت ده أنا كنت أنسان تاني خالص، تغيرت أوي و أدركت أنه جواتي وُلِد المفكر الفنان ملهم الحِس و البصيرة الإنسان اللي بتعرفوا قدامكم كده، أكتشفت أني بحب الفن، الموسيقا و الرسم و النحت و الكتابة و الحا‎جات دي كلها و مع كده أخوي أصر أني أكمل دراستي و أخد شهادتي على الأقلية ماهو أنا باقيلي سنة بس ما أنا دارس تلاتة من قبل فوالله أخدت برأيه و كملت دراستي و تخرجت و بوقتها سنة ١٩٥٢ و أصدقائي و زملائي كانوا أصبحوا دكاترة و أنا يادوبي تخرجت"

"و بدأت أحاور الناس حولي و أرفض كلشي كان متعارف عليه و أسال طيب أزاي نحن كدا و أزاي ربنا كده و مرة أذكر كنا في الجامع و بعد الصلاة قمت أحاور الناس هناك و أنتهى الأمر أنه عملولي علقة و رموني برا الجامع، أيوا كده ههههه" "و بعد مدة من الزمن الشك اللي كنت ألقيه على الناس بدأتُ ألقيه على نفسي، ورحت دايه في مداهات الفسلفة و ماخرجت منها بحاجة، وبعدها قلت ‎طيب ماليش حل غير الأديان ماهو العلم مش قادر يجاوبني أيه بعد الموت؟ و أي هو الإنسان؟ ولا الفلسفة ‎طيب معناها أجرب حظي مع الدين و ‎ٓرحت بقا بدأت من أدم لحيييييين محمد صلوات الله عليهم "

"قُرأت أبتداءاً بالإيمانية الهندية و الزردشتية و البوذية و إنتهاءً بموسى و عيسى و أخيراً محمد و في النهاية وجدتُ راحتي و أجوبتي في القرآن بعد بحث دام ٣٠ سنة من التفكر و التخبط كان الهدى و الرشاد في النهاية"

صورة للدكتور و هي في منتصف العمر أو ما شابه

الحياة المِهنية:

بما أن الكتابة كانت جزأً لا يتجزأ من كيان مصطفى فَقَّبل تخصصه كطبيب و عمله بدوام كامل أحب مصطفى الصحافة و قرر أن يعمل كصحفي حيث عمل في مجلة روز اليوسف و مجلة التحرير المصرية الشهرية حيث هناك قام بالتعرف على عدة أشخاص فيما بعد أصبحوا أصدقائه إلى أخر حياته تقريباً.

رأى مصطفى بعدها أنه لا يمكن أن يكون صحفي و كاتباً و طبيباً في الوقت نفسه فكان عليه أن يختار مجال ما و كذا كان و أختار الطب و أستمر مصطفى فيما بعدها على حاله طبيباً صدرياً في القصر العيني و كتب عدة كُتب في ذلك الوقت مواضيعها تباينت مابين ما كان يدور في دماغه أو من الوضع السياسي في المنطقة
أو من إلهام مكان عمله كالقصة القصيرة الرائعة عنبر سبعة مستلهمة من مكان عمله كطبيب في ذلك الوقت إلى سنة ١٩٦٠ حيث رأى مصطفى أن عمله كدكتور هو شيء لا يريد أن يقضي بقية حياته فيه، و قال فوقتها (بتصرف):
"بصصت كده و شوفت أنه الناس اللي بعالجهم السنة دي، يرجعوا مرضى مرة ثانية السنة الجاية يعني كأني أنا ما بعمل حاجة فوقتها أنا فكرت و رأيت أنه المشكلةإنها ليست مجرد مشكلة صحية المشكلة الحقيقة هي في المجتمع و في الناس نفسهم فعندها قررت أترك و أتفرغ للكتابة على أمل أن أغير حاجة في المجتمع" وكذا كان وترك مصطفى محمود المجال الطبي كطبيب و لكن لم يتخلى عن مرضاه كما سنرى لاحقاً.

تفرغ بعدها مصطفى محمود للكتابة كلياً و كما كانت فرصة له لكي يهتم بحياته الأجتماعية قليلاً كما سنرى و قد قام بكتابة ما يقرب ٨٩ كتابأ في شتى المجالات كما أن تفرغه أيضاً سمح له بالسفر و الأختلاط في شعوب أخُرى باحثاً عن أجوبة لأسئلةٍ لا تكاد تنتهي حول العالم فهو بدأ رحلاته بزيارة الغابات التانزانية في أوغندا و من ثم جنوب السودان حيث لبث هناك لمدة شهرين عند قبيلة النيّام نيّام و من هناك، سافر الى الصحراء العربية إلى واحات غدامس حيث أقام هناك لمدة مع قبيلة الطوارق و من أسفاره أيضاً كان منها إلى عواصم بعض الدول الأمريكية في كلا الأمريكيتان و بعض الدول الأوروبية منها: إيطاليا، ألمانيا، اليونان، فرنسا، كندا و الولايات المتحدة الأمريكية من ثم إلى البلدان العربية بدأً بالمغرب و الجزائر في المغرب العربي و إنتهاءً بلبنان و سوريا السعودية العربية في المشرق العربي.

كتب مصطفى ٥ كُتب منتقداًالفكر الماركسي فيها(ك 'الإسلام و الماركسية' و 'لماذا رفضت الماركسية') و كان مقتنعاً أن الماركسية كانت واحد من المَطارقّ التي دمرت و هدمت الحضارة في عصرنا هذا و أفضل و ما قدمت كان أنها كانت أداة أدت إلى خلق شخصيات حاقدة و سلبية و رافضة.

سِتُ كتب مما كَتب تم تبنيها و تجسيدها كمسرحات (ك 'الزلزال'و 'الإسكندر الأكبر ') و كتابٌ واحد تم تجسيده كفيلم و هو كتاب المستحيل

حازت كتبه على عدة جوائز، فحصل على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1970 في الأدب عن رواية رجل تحت الصفر، وعلى جائزة الدولة التشجيعية سنة 1975 في أدب الرحلات عن كتاب مغامرة في الصحراء، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الأدب سنة 1995.

تعرضت بعض كتبه لانتقادات، حيث لاقى في بداية مسيرته عن كتابه الله والإنسان سنة 1956 هجومًا واسعًا وصودر الكتاب وقدم بعدها للمحاكمة، وقد اكتفت لجنة المحاكمة وقتها بمصادرة الكتاب، ثم رُفع الحظر عن الكتاب في عهد محمد أنور السادات، ثم تراجع مصطفى محمود عن حوار مع صديقي الملحد وكذلك لاقى كتاب القرآن: محاولة لفهم عصري انتقادات واسعة، وهدأت الانتقادات بعدها فترة طويلة حتى صدور كتاب "الشفاعة" سنة 2000م، فصدر 14 كتابًا للرد على هذا الكتاب منها كتاب محمد فؤاد شاكر أستاذ الشريعة الإسلامية. كما يرى البعض أنه غير متخصص في مجالات علوم الدين والفلسفة التي يؤلف فيها.

.في بدايته كتب المقالات في الصحف المصرية، ونشر أولى قصصه "القطة الصغيرة" في مجلة الرسالة سنة 1947م، وكتب مقالاتهِ في مجلة روز اليوسف عندما كان طالبًا، ثم عمل محررًا في جريدة "النداء"، وفي سنة 1948 نشر كامل الشناوي أولى أعماله في مجلة آخر ساعة، وانضم إلى مجلة التحرير في سنة 1952، واستقال من مهنة الطب في سنة 1960، وظل يكتب عموده في روز اليوسف "اعترافات عشاق"، والذي جُمع في كتاب سنة 1969، وفي ذات الوقت كان يكتب في مجلة صباح الخير عمود "اعترفوا لي". مرت كتابات مصطفى محمود بمرحلتين، الفترة الأولى بين 1950و1970، ويغلب عليها الطابع الأدبي والفلسفي، ثم المرحلة الثانية بعد سنة 1970 حيث اتجه إلى الكتابة في الفكر الإسلامي، ومواضيع الإسلام السياسي وانتقاد الماركسية والشيوعية والاشتراكية، وكذلك انتقاد التوراة والبهائية، والكتابة عن رحلته للبحث في الأديان التي صاغها في كتبه: حوار مع صديقي الملحد ورحلتي من الشك إلى الإيمان ولغز الحياة ولغز الموت.
و لكن الدكتور رد و بشكل كامل على جميع الإدعات اللتي وجهت ضده، و دعا نقاده إلى فقط أن يقرأوا كتابه... أن يقرأوا محاولته.

العلم و الإيمان:

كما كان كاتباً فذاً، مصطفى كان أيضاً شخص لطيف سهل الإستماع له فقرر أن ينشأ برنامج تليفزيوني يقدم فيه المادة العلمية بطريقةٍ بسيطة مربوطة بالدين و بالخالق فكان برنامح العلم و الإيمان:

بدأت فكرة المشروع تصبحُ واقعاً عندما تقدم مصطفى بالفكرة إلى التليفزيون المصري حيث رصدوا له مبلغً و قدرُهُ 30 جنيه وهو طبعاً أمر بقمة السُخف (في ذلك الوقت = ١٢$) ولكن بفضل الله تعالى تم الأمر أن رجل أعمال ما مجهول الهوية سمع بالأمر و أعجبته الفكرة و قرر أن ينتج البرنامج على نفقته الخاصة ليصبح فيما بعد واحد من أشهر البرامج التلفزيونية و أوسعها إنتشاراً و لازال كل من شاهد يذكر موسيقى الناي في المقدمة الحزينة و كلمة مصطفى الشهيرة: "يا أهلاً بِكم!"
واجهت البرنامج أزمة في عام 1976 بسبب نفاد الأفلام التي حصلوا عليها من سفارات الدول الغربية، وسافر مصطفى لإحضار شرائط جديدة، اشتراها بـ 15 ألف دولار، وبعد عودته كانت 'تماضر توفيق' تولت منصب رئيسة التليفزيون، ورفضت إعطاءه المبلغ، وهنا تدخل 'رياض العريان' صاحب إحدى شركات القطاع الخاص، وسدد المبلغ، وتبني البرنامج، مقابل 300 جنيه للحلقة، وهو أعلى مبلغ حصل عليه محمود من برنامجه، وفقا 'لعكاشة' المخرج صديق مصطفى، وبدأوا تسجيل الحلقات في تونس واليونان، ثم لندن في عام 1980.
طلب محمود من الموسيقار الراحل 'محمد عبد الوهاب' تأليف مقطوعة موسيقية للبرنامج من إهدائه، إلا أنها كانت 'موسيقى راقصة'، اعترض عليها محمود، وطلب من 'محمود عفت' مقطوعة أخرى باستخدام 'الناي'، وأخبر عبد الوهاب بأن مخرج البرنامج 'أضاع اللحن'، وهو ما أثار غضبه، وكاد يشكو عكاشة إلى وزير الإعلام وقتها.

في عام 1995 طلب وزير الإعلام إعداد 30 حلقة من البرنامج حققت 5 ملايين دولار للقطاع الاقتصادي، وحقق 10 ملايين دولار في 1997، إلى أن منع التليفزيون عرض 4 حلقات، كانت تتضمن مواد من إنتاج 'B.B.C'، عن 'مفاعل ديمونة الإسرائيلي'، وأخرى عن 'حرب المياه' والتطلعات الأمريكية والإسرائيلية في هذا الشأن، في حين أذاعت قنوات فضائية عربية الحلقات الممنوعة. على مدة ثمانٍ و عشرين سنة و حوالي ٤٠٠ حلقة أسبوعية قدم مصطفى برنامجه الذي كان هدفه هو ربط الدين بالعلم على عكس الفكر الشائع بأن الدين في واد و العلم في واد، حيث قام الدكتور بجلب مقاطع فيديو و قام بترجمتها و بالتعليق عليها و بتبسيط المعلومات لكي يفهمها أكبر عدد ممكن من الناس. للأسف، صدر قرار من الرئاسة المصر‎ية بإيقاف بث البرنامج بسبب ضغوط سياسية و لعلى السبب أن عدد من الحلقات كانت حول الكيان الصهيوني و ما إلى هنالك.
جدول بجميع الحلقات يوجد هنا و عدد كبير من الحلقات متوفر على اليوتيوب.

صورة للدكتور
مصطفى مع الشعراوي رحمة الله عليهم
صورة للدكتور

مسجد محمود:

شعر مصطفى في مرحلة ما أن كل ماقدمه لحد الأن في حياته كان مجرد كلام على ورق أو كلام مُسجل ولهولاء الذين لايقروأ لهولاء مصطفى شعر أنه لم يقدم شيءً أيضاً فقرر وقتها أن يفعل شيءً قائلاً: "في لحظة كده لاقيت نفسي ما عملت أي حاجة في حياتي و هو أنا حَأُقابل ربنا بشوية كلام بس؟ لا ده مش ممكن..." و عندها شعر مصطفى أنه يجب أن يفعل شيء و كذا كان و كذا أتت فكرة مسجد محمود.

بُنيّ مسجد محمود عام 1979م. و استغرقَ بنائهُ عدة أعوام و قام مصطفى ببدأ مشروع محمود علي نفقته الخاصة الذي تضمن مسجداً و مشفى بأسعار رمزية و عدة أسرٍة مجانية بالكامل حيث يصِفُ قائلاً: "وهو أنا لما بدأت المشروع ده التكاليف فا‎جئتني أوي، يعني فكرة إنشاء مشفى مجُهز بأحد‎ث التقنيات التكاليف جنونية بس و الله لما بدأت أنا و وضعت يدي فيه رأيت أيديّ أُخرى بتنمد و بتساعدني من جوا مصر و برا مصر و الحمدلله"

يقع المسجد في منطقة الجيزة في أحد أهم الشوارع في المدينة وعرف هذا الشارع باسم شارع مصطفى محمود نسبة للمسجد فيما بعد ذلك، وهو أيضاً مواجه لشارع جامعة الدول، أحد أهم الشوارع الرئيسية بمنطقة المهندسين بمدينة بالجيز. والمسجد من الحجم المتوسط من حيث المساحة، وقد اكتسب أهميته من كم التبرعات المالية والعينية التي يقدمها للفقراء, إضافة إلى العيادة الملحقة بالمسجد والتي تقدم الخدمات الطبية في متناول الجميع وعلى درجة عالية من الكفاءة, وكذلك مشروع الأطعام الخيري المسمى (مائدة الرحمن) والتي تقدم الطعام إلى عابرى السبيل والفقراء في شهر رمضان المبارك المعظم.

يصف مصطفى محمود المسجد الإسلامي و كيف يجب أن يكون في رأيه: "الجامع إسمه جامع لأنه جامع للخيرات وكده لازم يكون الجامع مش بس صلاة و أذان لاا، المسجد يجب يكون مكان لكل حاجة في المجتمع الإسلامي" و كذا قام مصطفى مرة أُخرى بجمع القول و العمل مع بعض و حول الجامع الذي بناه إلى أكثر من مجرد مسجد فيضم مسجد محمود ثلاث مراكز طبية و مستشفى تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود ويقصدها الكثير من أبناء مصر نظراً لسمعتها الطبية الجيدة.
و يحتوي المسجد على قوافل طبية تتكون من عدة أَطِبّة، و يتفرع من المسجد الجمعية الفلكية الشهيرة التي تضم أربعة مراصد فلكية، و متحف للجيولوجيا، و تضم أساتذةً يعطون دروساً في علوم الفلك والفضاء. ويضم المتحف مجموعة من الصخور الجرانيتية، و الفراشات المحنطة بأشكالها المتنوعة و بعض الكائنات البحرية. يشتهر المسجد أيضاً بتنظيـم احتفاليات سنوية في المناسبات الدينية الرئيسية مثل رأس السنة الهجرية والمولد النبوي الشريف يحضرها شيوخ من كبار علماء الأزهر الشريف وقيادات محلية مثل محافظ الجيزة وأعضاء المجلس المحلى والتنفبذي. كما ينظم المسجد ساحات واسعة لأداء صلاة العيدين تتسع للآلاف الذين يفدون من مناطق مختلفة لحضور الصلاة، ويشارك في الخطب شيوخ من وزارة الأوقاف.

الدكتور و التليسكوب الخاص به
مصطفى و تيلسكوبهِ
مسجد محمود
مسجد محمود

مصطفى محمود و الكيان الصهيوني:

مركزت جهود مصطفى محمود حول توضيح خطر الصهيونية ، ووظف لها -فضلا عن مقالاته- 9 كتب أصدرها خلال حقبة التسعينيات، تتضمن أطروحاته الفلسفية تجاه جذور الخطر وحاضره ومآلاته. ولعل هذا المجهود الفكري من جانب مصطفى محمود هو ما دفع أسرته وعددا من متتبعي سيرته لاتهام إسرائيل بالوقوف وراء منع صاحب "العلم والإيمان" من استكمال برنامجه الشهير بالتلفزيون المصري، فضلا عن حظر مقالاته في الصحف، ففي كتابه "إسرائيل البداية والنهاية"، يقول مصطفى محمود إن "إسرائيل تتصرف وكأنها تتعامل مع أصفار، وتتوسع وكأنها تمرح في فراغ، وهذا الغياب للموقف العربي سوف تكون له عواقب وخيمة". وأمام هذا التهاون أو الهوان العربي كان ضروريا أن يحذر المفكر المصري من مآلات السلام الذي يسعى إليه الكيان الصهيوني، ففي كتابه "على حافة الانتحار" رأى أن إسرائيل ليست لديها نية جادة للسلام بقدر ما هي راغبة في تطويع وقبول من الطرف العربي لسلام من طرف واحد.

ويستدل محمود على رأيه بأن تل أبيب بقياداتها السياسية وزعاماتها الدينية تزرع المزيد من الكراهية ضد العرب، كما أن آلتها العسكرية تتوسع باستمرار على حساب شعب فلسطين، فضلا عن أنها ما زالت تطور أسلحتها الذرية والبيولوجية والكيميائية وتضعها على حدود مصر ولا تدخر جهدا في المساهمة في تدمير الاقتصاد المصري. لذلك طالب الكاتب بأن تعي الدول العربية ما يُحاك لها من قبل الاستيطان الصهيوني، وأن تحذر في تعاملها مع السلام الذي يُطلب منها اللحاق به، وهو ما يحتاج الاستقلال العسكري والاقتصادي. ويزيد مصطفى محمود من التحذير في كتابه "إسرائيل النازية ولغة المحرقة"، قائلا "انظروا إليهم كيف يتفاوضون مع العرب ويحسِبون نصيبهم من الأرض بالمتر والسنتيمتر ونصيبهم من الماء فوق الأرض وتحت الأرض وفي جوف الأرض، ويريدون الحفر في الماضي والحفر في الحاضر والحفر في دماغنا ولا نهاية لمطالبهم". ولخص صاحب العلم والإيمان رؤيته للسلام بين العرب مع الكيان الصهيوني، بأنه عقد إذعان أكثر منه اتفاقا وتراضيا، وبأنه طريق مرصوف بالجحيم.

وعبر سلسلة الكتب التي تناولت الخطر الإسرائيلي، تطرّق مصطفى محمود إلى كثير من الخطط الصهيونية، ومنها تشويه الإسلام عبر استخدام ودعم من سماهم إسلاميين متطرفين لتدمير الحضارة الإسلامية من الداخل، داعيا في ذلك إلى ضرورة أن يتعامل المسلمون مع المعطيات الجديدة للعصر ونقد الموروث القديم. وأضاف أن إسرائيل تخطط للتحكم في منابع النيل عن طريق السيطرة على منطقة البحيرات الكبرى، وإثارة الحروب والفتن الطائفية والعنصرية بين نصارى الجنوب ومسلمي الشمال في السودان المنكوب بالتآمر من كل بلاد الجوار الأفريقي.
بالإضافة لعلاقات إسرائيل بالحبشة وإريتريا وتسليحها للإثنين وإمدادهما بالمعدات العسكرية أمور لها مقابل، وبوابة البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي وجزر البحر الأحمر، كلها محطات إستراتيجية تقع تحت رقابة وأطماع العين الإسرائيلية طول الوقت".وقال أدهم نجل الدكتور مصطفى محمود، إن نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك منع مقالات والده من النشر منتصف تسعينيات القرن الماضي.

صورة للدكتور

مصطفى محمود إجتماعياً:

بعد إعتزاله الطب رسمياً عام ١٩٦٠ بسنة قام مصطفى بالزواج بعدها بسنة حيث رُزق بطفلين هما 'أدم' و 'أمل' و لكن لعدة أسباب سنراهاالأن لم يدم زواجه أكثر من عدة سنوات حيث أنفصل عن زوجته السيدة سامية و كان هذا بعد حوالي إثنا عشر عاماً و تزوج بعدها مرة أخُرى عام ١٩٨٣ من السيدة زينب حمدي وانتهى هذا الزواج أيضاً عام ١٩٨٧.

تكلم مصطفى كثيراً عن الزواج في كُتبِهِ وأسهبَ في الحديث عن هذا الموضوع كما كان لهذا الحديث مكانه الخاص في عدة مقابلاتٍ أجراه و يرى مصطفى محمود الحب أكثر من مجرد مشاعر و أحاسيس أو أحتياجات جسديّة فهو يرى أن الزواج يجب أن يُبنى على الرحمة و المودة لا الحب و يقول أيضاً "أنا برأيي إن لينجح الزواج يجب أن يكون هناك مقومات مشتركة بين الزوج و الزوجة وأن يتبنى الإثنان إهتمامات الأخر و يراعوا خُصوصيات شريكهم و إهتماماته"
كما أن مصطفى دائماً ماكان يضرب مثلاً في الرسول محمد صلى الله عليه و سلم و بزوجه عائشة و كيف أنها تبنت الرجل و تبنت قضيته و دعوته فلم تدخل بيته فقط بل دخلت حياته و هكذا يجب أن يكون الزواج برأي الدكتور.

للأسف كلا الزِيجاتين لم تدوما طويلاً و السبب في ذلك هو حب الكتابة الذي شغف عقل و قلب مصطفى و إنشغاله بالكتابة سرق عقله منه و من كل شيء سوى الكتابة و عمله و كذا حال المُفكِرين فهُم يعيشونُ داخل عقولهم.

النهايات:

بعد إصداره لأخر كتاب له وهو الشفاعة محاولة لفهم عصري والذي حاول فيه مصطفى، حاول فيه محاولة لأن يفهم الشفاعة النبوية الكريمة و حاول أن يكسر الفهم التقليدي لها عند معظم الناس كما قال هو "ما هية الناس فاكرة الشفاعة إنها حاجة مضمونة مهما كان و مهما عملوا فكده المسلمين بقوا متوكلين، متكاسلين و بلا قدرة على ضبط أنفسهم لأنهم أيه؟ لأنهم بيفكروا 'أنه أعمل اللي يعجبك و صلي على اللي يشفعلك' وده طبعاً مش معقول أبداً" و مصطفى لم ينكر الشفاعة أبداً و لكن مصر كلها و الأزهر قاموا عليه قومة رجُل واحد فكفروه و كذبوه بدون أن يسمعوا ما قال أو أن يقرأوا كتابهُ حتى.

أثرت الحادثة دي على مصطفى تأثير كبير أوي و لم تكن هذه أول مرة يصادر كتاب له و يُأخذ مصطفى فيها للمحكمة ليسأل فيها أغرب سؤال: هل أنت كافر؟ أو ملحد؟ و ما إلى ذلك كما حدث سنة١٩٥٥ مع كتابه الله و الإنسان و لذلك كانت المرة الثانية مؤثرة جداً عليه فأعتزل الكتابة و أعتزل الناس من بعدها و أصُيب بجلطة دموية و تدهورت صحته بشكل كبير...

و تروي عنه الصحفية الكبيرة لوتس عبد الكريم (حيث كانوا أصدقاء) أنه في نهاية حياته "كان يناجى الله فى خلوته الصوفية، يقنعُ بلقيماتٍ بسيطةٍ جدًا، يقرأ ويسمع القرآن ليل نهار، فكانت شهوته هذه الغرفة الصغيرة التى يختلى فيها بنفسه، والتى سمّاها بالتابوت؛ ليذكره ذلك بالموت، ولم يكن يخشى الموت على الإطلاق، وكان مؤمنا جدًا بالله، كَتب لغز الحياة وكَتب لغز الموت وتبحر فى قراءته وتأملاته"

و كما لكل شيء نهاية، كذلك أتت نهاية حياة الدكتور المجدد مصطفى محمود بعد ٨٧ عاماً من العمل و الجهد و العطاء قضاها في خدمة الأنسان، نفسه، و المجتمع

شَيع الدكتور من مسجده[٦]، مسجد محمود بحي المهندسين ولم يحضر التشييع أي من المشاهير أو أعلام الحكومة بسبب مواقفه الشديدة في وجه الحكومة الإسرائلية مما دفع أغلبهم للتخلي عنه.